الباحث في الأنثروبولوجيا بباريس حسين جيدل ” الحرب في كاراباخ كان هدفها إضعاف نفوذ روسيا وتركيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”

حاورته نوال.ثابت / ميديا ناو بلوس

 

 قال الباحث في الأنثروبولوجيا وخريج المدرسة التطبيقية للدراسات العليا بباريس، حسين جيدل، في حوار خص به ميديا ناو بلوس، بأن إتفاق السلام الموقع بين أذربيجان وأرمينيا مؤخرا برعاية روسية أبعد شبح الحرب عن منطقة القوقاز، وأعاد موازين القوى إلى نصابها بتصحيح الوضع الجيوسياسي عقب إستعادة أذربيجان سيادتها على أراضيها.
وأضاف محدثنا أن الروس و الأتراك أدركوا بأن إندلاع الحرب كان هدفها إستنزاف الدولتين لإضعاف نفوذهما في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا و منطقة المتوسط.
و إسترسل قائلا إن إنقاذ المنطقة من الحرب لن يمنع الدول الخاسرة مثل فرنسا، إيران، الإمارات وامريكا من تأجيج الوضع لكن خطط هذه الأخيرة سوف تتأجل لإنشغالها بمناطق صراع أخرى أكثر أهمية .
وأبرز حسين جيدل أهمية الوضع الجيو إقتصادي في أذربيجان التي تعد أهم مصدر للطاقة إلى إسرائيل وأوروبا وتركيا بنسبة 30% وهي كلها أسواق ليس لها بدائل ستكون في قلب الصراع وتجاذب النفوذ.
لكن دورها الأساسي سيتعزز بفضل حليفها الجديد تركيا الفتي الذي دخل معترك الطاقة من بابه الواسع.
هل يمكننا القول اليوم بأن إتفاق السلام الموقع بين أذربيجان وأرمينيا أنقذ منطقة القوقاز من إندلاع حرب واسعة؟
أولا وقبل الإجابة مباشرة على سؤالكم سيدتي، أستسمح القراء في هذه المقدمة المختصرة لكنها ضرورية لفهم أسباب وطبيعة الصراع مما يساعدنا على استشراف الوضع وإدراك تداعيات ما حدث. الكاراباخ (الحديقة السوداء من الكلمة التركية كارا أي الأسود وكلمة باخ الفارسية ومعناها الحديقة) وتسمى ارتساخ Artsakh بالارمينية هي إقليم انتزعته روسيا القيصرية من الإمبراطورية الفارسية سنة 1805 بعد حرب دامت 9 سنوات (1804 -1813).
وفي سنة 1923، قرر الاتحاد السوفيتي ضمها الى أراضي أذربيجان وبقي الأمر كذلك إلى حين تفكك الاتحاد السوفيتي،حيث طالبت أرمينيا بضمها خاصة وأن أغلبية السكان (95%) من الأرمن وهو ما رفضته أذربيجان واندلعت بينهما حرب خلفت 30 الف قتيل وحوالي مليون مشرد وبفضل تدخل روسيا إلى جانب أرمينيا،استولت هذه الأخيرة على إقليم “كاراباخ” وعلى عدة أقاليم تمثل 20 % من الأراضي الاذربيجانية.
وفي سنة 1992 تدخلت مجموعة “منسك Minsk المكونة من روسيا و فرنسا و أمريكا و التابعة لمنظمة الامن و التعاون في اوربا OSCE ودخل الطرفان في مفاوضات حتى سنة 1994 حيث انتهت بوقف إطلاق النار وصدور 4 قرارات عن مجلس الأمن تدعو أرمينيا إلى الخروج من الأراضي الأذربيجانية واعادة كاراباخ إلى سيادة أذربيجان.
لكن تقاعس مجموعة Minsk وتخاذل المجتمع الدولي حال دون تنفيذ هذه القرارات.كانت أذربيجان قبل صعود أسعار النفط ضعيفة عسكريا و اقتصاديا ولكنها عملت على بناء نفسها عسكريا بمساعدة تركيا واسرائيل. وكانت تندلع في كل مرة مناوشات عسكرية سرعان ما تتوقف بتدخل من روسيا.
في27 سبتمبر الماضي اندلعت الحرب من جديد ومنيت ارمينيا بخسارة مشينة دفعت روسيا إلى التدخل لوقف الحرب وتم بموجب الاتفاق استرداد أذربيجان لإقليم كاراباخ وبقية الأقاليم الأخرى وفق جدول زمني سريع و واضح على أن تقوم روسيا التي تملك قاعدة عسكرية كبيرة (5000 جندي ،صواريخ اس 300 و مقاتلات ميج 29…..) في “غيومري Gyumri” بارمينيا بنشر 2000 جندي حول ممر “لاتشين Latchin”الذي يربط كاراباخ بأرمينيا.
وبالعودة إلى السؤال المطروح، اعتقد ان الاتفاق الذي رعته روسيا قد ساهم في إبعاد شبح الحرب عن منطقة القوقاز ، لانه اعاد صياغة موازين القوى في المنطقة حيث صحح وضعا جيوسياسيا مختلا موروثا عن مخلفات الحرب الباردة من خلال وضع حد لاهم أسباب التوتر والصراع، فاستعادت أذربيجان سيادتها على أراضيها ورغم خسارة روسيا لهيمنتها على منطقة القوقاز وبحر قزوين فقد حافظت على نفوذ يرضيها و أصبحت تركيا المستفيد الكبير من الوضع الجديد لاعبا اساسيا في هذه المنطقة التي حرمت من ممارسة نفوذها الطبيعي فيها بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. فأصبح استقرار منطقة القوقاز الحيوية بأيدي لاعبين أساسيين هما روسيا و تركيا اللتان أثبتتا قدرتهما على إيجاد تفاهمات وترتيبات مشتركة في كثير من مناطق العالم كسوريا و ليبيا و بعض المناطق في إفريقيا.
و هو ما يصعب على الأوربيين والامريكان قبوله، وهم يجتهدون في تشديد الحصار و تضييق الخناق على روسيا بسبب جزيرة القرم و محاولة تمدد الروس من خلال مشروع ” نورد ستريم2 Nord stram 2″ لنقل الطاقة إلى أوروبا عبر المانيا و هو المشروع الذي افشلته أمريكا و تسبب في أزمة دبلوماسية بين واشنطن و برلين.
لقد أدرك الروس و الأتراك ان اندلاع حرب في المنطقة ليس له سوى هدف واحد هو استنزاف الدولتين لاضعاف نفوذهما في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ومنطقة المتوسط، و ما يفسر احجام روسيا عن التدخل عسكريا إلى جانب أرمينيا رغم وجود اتفاقية الدفاع المشترك بينهما التي تم توقيعها في 2010 .
سيزداد اعتماد أرمينيا على موسكو للحفاظ على امنها ما دامت هي الراعية لهذا الاتفاق، مما يبعد إلى حد ما شبح الحرب دون أن يمنع الدول الخاسرة و خاصة الإمارات و إيران و فرنسا و كذلك أمريكا من محاولة تأجيج الوضع و لكن انشغال كل هذه الدول بمناطق صراع أخرى أهم سوف يؤجل هذه الخطط إلى حين.
كان العالم يفرض على هذه المنطقة ما يشبه صمت المقابر، فكيف سيكون الواقعان الجيوسياسي والإقتصادي الجديدان في المنطقة ؟
بالطبع، ستكون لهذا الوضع الجديد تداعيات كبيرة و عميقة في المنطقة و في العالم. فروسيا التي خسرت جزءا من نفوذها قد تستغل الوضع لتزيد من تواجدها العسكري في أرمينيا لأحكام السيطرة على القوقاز حفاظا على مشاريعها الاقتصادية و تفاهماتها مع تركيا و لابقاء جبهتها الشمالية آمنة من خلال لعب الوسيط و ممارسة التهديدات و التلميحات خاصة و أن الأوربيين و الامريكان سيحاولون إيجاد تبرير لتدخلهم من جديد.
تدرك روسيا جيدا أن أمريكا ستحاول تأجيج الصراع في المنطقة بتعظيم تركيا و اعطاء اسرائيل دورا أكبر في المنطقة و هو ما يدفع موسكو إلى الحفاظ على تفاهماتها مع الأتراك الذين باشروا في التنسيق معها لتثبيت بنود الاتفاق.
كيف تصف تركيا هذا الإنتصار الأذربيجاني؟
لعل أكبر مستفيد من الوضع الجديد هو تركيا التي استعادت نفوذها في المنطقة و لم يعد بالإمكان صياغة أية معادلة جيوستراتيجية دونها. و ستجتهد في تكريس صورة الدولة المسؤولة عن ضمان امن المنطقة . و لكن لحرب الطاقة منطقا آخر.

فمشروع نقل الطاقة من باكو – تبيليسي – جيهان(أذربيجان- جورجيا-تركيا) على ساحل المتوسط و منه إلى أوربا و مشروع روسيا الذي عطلته أمريكا و مشاريع إيران التجارية و الطاقوية انطلاقا من ميناء ” تشابهار”على خليج عمان إلى روسيا ثم أوربا كفيلة كلها بإشعال صراع حاد قد يهدد طموحات كل الدول .
فأذربيجان التي هي أهم مصدر الطاقة إلى إسرائيل( 30% ) و أوربا و تركيا و هي كلها أسواق ليس لها بدائل ستكون في قلب الصراع و تجاذب النفوذ و سيمنحها لعب دور أساسي بالتنسيق مع حليفتها تركيا التي دخلت هذا العام معترك الطاقة من بابه الواسع بعد اكتشاف مخزون طاقوي كبير في البحر الأسود و شرق المتوسط و نجاحها في إبرام اتفاقيات هامة مع ليبيا عملاق النفط في إفريقيا .

هل خرجت إيران الخاسر الأكبر، في رأيكم ؟

يبدو أن أكبر خاسر هو إيران المسلمة الشيعية التي وقفت بجانب أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة الشيعية لمنع هذه الأخيرة من أن تتحول إلى موقع متقدم لحلف الناتو و أمريكا و إسرائيل.

إنتصار أذربيجان قد يشجع الأقلية الأذرية التي تشكل 20% من سكان إيران على المطالبة بمزيد من الحقوق أو بتقرير المصير و الالتحاق باذربيجان.

الأمر الذي زاد في ضعف نفوذ إيران هو فقدانها لنفوذها في تمويل منطقة “نخجوان ” الذاتية التابعة لاذربيجان و الواقعة تحت سيطرة ارمينيا( تسمى “ناختشفان “Nakhitchevav بالغاز و بالبضائع بعد أن نجحت تركيا في القيام بذلك و يبقى تامين مناطقها الشمالية لمنع انفصال سكانها من أصل اذري أهم هاجس يؤرقها مما سيدفعا إلى تكريس كل الجهود و تخصيص الأموال و الاهتمام لمنع ذلك و هو ما يقلل من اهتمامها بالشرق الأوسط و يضعف نفوذها فيه.

 

 

اترك تعليقا