الباحث في الأنثروبولوجيا بباريس حسين جيدل ” لائحة البرلمان الأوروبي جاءت لتذكر النظام الجزائري بتعهداته”

حاورته نوال.ثابت / ميديا ناو بلوس

قال الباحث في الأنثروبولوجيا بباريس حسين جيدل في حوار خص به ” ميديا ناو بلوس ” إن لائحة البرلمان الأوروبي المؤرخة في 26 نوفمبر حول حقوق الإنسان في الجزائر، المثيرة للجدل، ليست قرارا سياسيا صادرا عن الدول الأوروبية و إنما تعد دعما من ممثلي الشعوب الاوربية  للشعب الجزائري  و تذكيرا للنظام الجزائري بتعهداته.
لكن في المقابل يرى محدثنا بأن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة تعد موقفا سياسيا رسميا يلزم الدولة الفرنسية بخلاف لائحة البرلمانيين الأوربيين التي لا تلزم أية دولة و ليس لها أي طابع سياسي.
و أكد بأن العلاقات الأوروبية  الجزائرية لن تتأثر بمثل هذه المواقف خاصة أن الجزائر في أشد الحاجة إلى أي دعم خارجي للبقاء.
ما هي قراءتكم للائحة البرلمان الأوروبي غير الملزمة المؤرخة في 26 نوفمبر الماضي حول حقوق الإنسان في الجزائر ؟
حتى نكون قريبين من التناول الموضوعي و بعيدين قدر الإمكان عن الشطط و اللغط و المناوشات العقيمة،علينا أن ننبه إلى أن الوطنية ليست حكرا على سدنة المعبد ممن يحكمون الجزائر و خاصة أولئك الذين يرون في الرأي المخالف خيانة و النقد جريمة و هم الذين قد فشلوا في بناء الدولة و حماية المواطن، بل شاركوا لسنوات طويلة في إهانة الجزائر و كسر هيبتها و تبديد أموالها و تهجير ابنائها.
فالبرلمان الأوروبي هو صوت الشعوب الأوروبية بمختلف مكوناتها. يضم نوابا مختلفي الاتجاهات، جاءت بهم شرعية الديمقراطية الحقة ليجسدوا إرادة من اختارهم. فمواقفهم لا تعكس إطلاقا مواقف دولهم التي تشكل “المجلس الأوربي Le Conseil Europeen “. و كثيرا ما كان هؤلاء النواب من أشد المعارضين لسياسية بلدانهمو لقرارات و خيارات المجلس الأوربي.
يحق في كل الديمقراطيات الحقة التي تعكس الإرادة الحرة لشعوبها أن يبدي ممثلو الشعوب مواقفهم ان يسجلوا اعتراضهم و يقدموا آراءهم في قضايا دولية ،بل يمكنهم أن يستعينوا في بلورة مواقفهم بكل الوسائل المشروعة و منها الاستماع للمعارضين.
لذا جاءت لائحة البرلمانيين الأوربيين استجابة لعمل دؤوب جاد و مسؤول قام به الحراكيون من أبناء الجالية الجزائرية في الخارج.
لقد سبق للأمم المتحدة و هي منظمة دولية لا يمكن اتهامها بانها هيئة منحازة،أن أدانت الجزائر عدة مرات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المخالفة للعهود و المواثيق الدولية التي صادقت عليها الجزائر.
لذا لابد من التأكيد على أن التدخل الخارجي هو المساس بسيادة الشعب و الانتقاص منها.و بالتالي اعتقد ان اللائحة جاءت لتذكر النظام الجزائري بتعهداته الدولية و اتفاقه مع الأوروبيين و تطلب منه وضع حد للقمع الممارس ضد أبناء الجزائر الذين ابهروا العالم بسلميتهم و نضجهم السياسي الذي فاق التصور.
لقد كشفوا للعالم اجمع الطبيعة العسكرية و القمعية للنظام ، و اثبتوا منذ 22 فيفري 2019 رداءة رجال النظام و فسادهم و نبهوا دون ملل إلى خطورة استمرار النظام في رفض الاستجابة لمطالب الملايين من أبناء الشعب. و ما الصفعة التي تلقاها النظام في استفتاء 1 نوفمبر 2020 سوى دليل آخر على فقدان هذا النظام لكل شرعية و لكل مبرر للبقاء.
هل تدخل حقا في إطار التدخل في الشأن الداخلي للبلاد أم أنها إحترام لبنود الإتفاقيات المبرمة بين الجزائر و الإتحاد الأوروبي؟
هذه اللائحة ليست قرارا سياسيا صادرا عن الدول الأوروبية،و إنما هو دعم للشعب الجزائري من ممثلي الشعوب الأوروبية التي نشترك مع الكثيرين منهم في الجوار و في الفضاء الجيوستراتيجي و الحيوي .
و دون أدنى شك، يدخل هذا العمل في إطار الحرص على تنفيذ بنود اتفاق الشراكة بين الجزائر و الأوروبيين ، و خاصة   ما تعلق منها بحقوق الإنسان و بتكريس الحوكمة الراشدة . فقد استفادت إطارات الجزائر في كثير من الميادين  كالقضاء و البنوك، والتكوين ،التدريب من برامج  التاهيل التي رعتها الدول الأوربية. فضلا عن مشاركة الجزائر في كثير من اللقاءات التي نظمها حلف الشمال الأطلسي.
اين كان المتشدقون برفض التدخل الخارجي و المساس بسيادة الجزائر حين كان بوتفليقة يعالج في مستشفى “فال دو غراس” العسكري و يعقد في المصحة العسكرية invalides اللقاءات و يتخذ القرارات بحضور “القايد صالح “و “سلال” تحت ظل صورة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا  هولاند؟  أ لم يكن قيام “رمضان لعمامرة” في بداية ثورة 22 فيفري بجولة في عدة دول طلبا للدعم تدخلا خارجيا؟ أ ليس تدخلا خارجيا انتقال رئيس الدولة ” عبد القادر بن صالح ” إلى موسكو و وقوفه أمام “بوتين” مؤكدا أن “الوضع تحت السيطرة” ؟
 أ ليس ما كشفت عنه Midle Easteye يوم 23 نوفمبر من قيام الدول الأوروبية بتكوين الشرطة الجزائرية في تقنيات مواجهة الحراك و تتبع نشاط المعارضين و خنق أصواتهم تدخلا خارجيا ؟
اين سيادة الجزائر حين يعالج ” عبد المجيد تبون ” في مستشفى عسكري بألمانيا؟ بل اين سيادة الجزائر حين هدد خليفة ” حفتر ” سنة 2018 الجزائر ؟
و ماذا عن التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  لمجلة جون أفريك بأنه “سيفعل ما في وسعه لمساعدة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لم تعرف هذه التصريحات ضجة في الجزائر إلا من قبل أصحاب الحراك و المعارضة ألا يوجد هناك نوع من التناقض؟
تصريحات “ماكرون” الأخيرة على صفحات Jeune Afrique ،تعد بحق قارعة الدهر و قاصمة الظهر ،فهي تدخل سافر فج و وقح تجاوز كل الاعراف لأنها جاءت على شكل إملاءات بل كانت خارطة طريق موجهة لمن يحكم الجزائر.
لقد كان ماكرون أكثر وضوحا و جرأة من سلفه هولاند الذي فتحت تصريحاته سنة 2013 الباب واسعا أمام عهدة رابعة مهينة ،و وضعت حدا لمحاولة إثبات عجز الرئيس و إجراء انتخابات رئاسية مسبقة.
فتصريحات الرئيس “ماكرون” هي موقف سياسي رسمي يلزم الدولة الفرنسية بخلاف لائحة البرلمانيين الأوربيين التي لا تلزم أية دولة و ليس لها أي طابع سياسي.
لم نسمع لهؤلاء الناعقين حسا و لاهمسا، بل انبرى فقط أحفاد بن مهيدي من الحراكيين للدفاع عن جزائر الشهداء،و صمت سدنة المعبد ممن يسمون أنفسهم معارضة صمت القبور.
 هل سيؤدي هذا الجدل القائم حول اللائحة البرلمانية إلى تقويض علاقات الجزائر مع شركائها الأوروبيين؟
لا أعتقد إطلاقا أن العلاقات الجزائرية الأوربية سوف تتأثر بمثل هذه المواقف ،خاصة و أن النظام الجزائري المترهل يعيش عزلة داخلية و أخرى خارجية و هو في أشد الحاجة إلى أي دعم خارجي للبقاء حتى و لو جاء هذا الدعم على شكل إملاءات فجة و وقحة،

 

 

اترك تعليقا