الوزيرة السابقة لشؤون المرأة في تونس الدكتورة سهام بادي ” التونسي فقد الثقة في السياسي “

حاورتها نوال . ثابت / ميديا ناو بلوس

 

 قالت الوزيرة السابقة لشؤون المرأة في تونس، الدكتورة سهام بادي، في حوار خصت به ” ميديا ناو بلوس “،أن المواطن التونسي فقد اليوم الثقة في السياسي عقب فشل  الأحزاب السياسية الموجودة حاليا في البلاد.

و أضافت محدثتنا بأن الضبابية لا تزال تخيم على خريطة طريق الرئيس قيس سعيد و لا توجد أي خطة واضحة المعالم في الأفق.

و أفادت سهام بادي بأنه يجب أن ينعم مستقبل تونس بأناس وطنيين يبذلون قصارى جهدهم لخدمة البلاد مع تغليب المصلحة العامة فوق كل الإعتبارات بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة من أجل تجاوز أزمات البلاد الصحية، الإقتصادية و السياسية.

ما تقييمكم لآخر تطوارات الوضع في تونس؟

أولا، قبل التحدث عن أي تقييم للوضع في البلاد، لابد من التكلم عن التوقيت غير مناسب لهذه الأزمة السياسية،بالنظر إلى بلوغ تونس ذروة الأزمة الصحية. بعد كشف وزارة الصحة عن الأرقام القياسية الأخيرة لعدد الضحايا و الإصابات المؤكدة وكذا نقص المعدات الطبية داخل المستشفيات.

وبالتالي، أنا كنت أنتظر، في هذا الظرف الصحي الحساس حيث تعد أرواح الناس غالية و عزيزة على الجميع، يتم فيه نبذ الخلافات السياسية. و كان من المفروض في هذا الوقت بالذات، وجوب تظافر الجهود بوضع الخلافات السياسية على جنب وتغليب الجانب الصحي على الأولويات الأخرى حتى و لو كانت الأولوية إقتصادية، فمابالك السياسية، فهنا يجب تغليب الصحة على السياسة.

والناس تعاني في قوتها من أجل حماية أنفسها و للحفاظ على حياتها وحياة الآخرين مثلما  كان الحال عليه خلال الحجر الصحي، وبالتالي كان من الأجدر الوقوف على مثل هذه الصعوبات، و  من ثمة الدخول في فوضى سياسية التي لن تزيد  الأزمتين الصحية والإقتصادية إلا حدة و عمقا، لاسيما إذا نظرنا إلى وضع البلاد غير المستقر، وأمام مصير مجهول، وفي ظل حكومة يقع تنحيتها برمتها بما فيها رئيسها و مجيء حكومة تصريف أعمال، ومجلس نيابي معطل و مجمد.

و بالطبع في ظل كل  هذه الظروف، ذلك  لن يزيد من الأزمة الإقتصادية إلا تفاقما وعمقا، وبالتالي، أنا أتصور أن هذا التصرف، الذي اعتبره مارقا على الدستور، لا يمكن أن نجني منه مهما كانت فوائده في الوقت الحاضر، إلا مزيدا من المشاكل و من التبعيات السلبية على الصحة والإقتصاد.

• نبدأ من آخر المستجدات في قلب الحدث، بعد فتح القضاء التونسي تحقيقا في قضية التمويلات الأجنبية لإنتخابات 2019 المتعلقة بالأحزاب السياسية الثلاثة النهضة، “قلب تونس” و” عيش تونسي”. ما خلفيات ذلك على الوضع الراهن ؟ وهل هذا يعني أن عجلة القضاء بدأت تتحرك للقضاء على الفساد في البلاد؟

مطلب محاربة الفساد هو مطلب قديم جدا لم تفصل فيه بجدية جميع  الحكومات التي تعاقبت والرؤساء الذين جاؤوا بعد المرزوقي وكلها تأخرت كثيرا في وضع الإصلاحات لمكافحة الفساد بتوفير برنامج و ميزانية.

إلى جانب تزويد القضاء كل ما يحتاجه من وسائل مادية و إستقلالية و إمكانيات للتعجيل في معالجة العديد من ملفات الفساد المتراكمة يوميا على طاولات القضاء، و التي لم تفتح بالسرعة المرجوة في مثل هذا الظرف.

 أنا مع محاسبة جميع الفاسدين ومع رفع الحصانة على كل من تعلقت بأمره شبهات فساد، وأنا مع محاربة التمويلات الإنتخابية المشبوهة، والقضاء هو الفيصل.

وبدوري أزكي هذا العمل الذي تأخرنا فيه كثيرا، فلا يمكن أن نبني ديمقراطية في البلاد إن لم تكن هذه الأخيرة مرتكزة على محاربة الفساد وقائمة على الشفافية التي تلد إنتخابات نزيهة. أكثر من ذلك، أقول بالعكس يجب التعجيل في فتح هذه الملفات المتعلقة الفساد.

ولا خوف على الجهات التي ترى نفسها بعيدة عن هذه الشبهات ولديها ما يثبت مصادر تمويلها و محاضر إثبات التمويل الشرعي، وإلا في هذه الحالة فسيكون القضاء هو الفيصل.

• الرئيس قيس سعيد لم يقدم لحد الآن أي خارطة طريق سياسية واضحة للإصلاحات، فما هي أولويات المرحلة المقبلة في رأيكم؟

السيد قيس سعيد، ليس لديه حزب سياسي كبير يعمل على تجسيد برنامجه السياسي وليست لديه كتل برلمانية و ليس لديه حزام سياسي كبير، و  ليست لديه برامج واضحة.

” لحد اليوم لم نرى اي خريطة طريق واضحة المعالم في الافق”

فهو شخص أعطاه الشعب ثقته في ظل خيارات أخرى لم يكن الشعب يفضلها. وجرى إنتخابه من أجل القيام بإصلاحات على رأسها محاربة الفساد وأيضا من أجل إصلاح الأوضاع التي طال إصلاحها منذ ثورة 2011،

و بالتالي فعدم وضوح الرؤية والضبابية اللتين رافقتا فترة الحكم على مدار عامين للرئيس الجمهورية قيس سعيد، لم نرى من خلالها أي إصلاحات سياسية كبرى تحسب له، كما لم نرى أي شىء من جانب الإستثمار لتحريك الدبلوماسية بغية طمأنة الخارج وجلب المستثمرين، و أيضا لم نرى أي إتفاق مع بعض الدول لتحويل ديون تونس و القيام ببعض الإنجازات كما فعل ذلك المرزوقي عندما كان رئيسا، فيما لم نرى أي تعجيل للقضاء من أجل فتح ملفات الفساد التي تم إيداعها منذ ثورة 2011.

هذا و لم نرى، كذلك أي جلب للأموال التونسية المنهوبة من الخارج من طرف النظام السابق للرئيس بن علي وعائلته على مستوى العديد من الدول، لم تكن هناك أي سعي جاد في إستردادها وإسترجاعها خارج تونس.

وكل هذا يظهر بأنه لم يكن هناك في الماضي برنامج واضح، بل أكثر من ذلك وبعد هذه الحركة اللادستورية، بوضع السلطات الثلاث في يده والإستحواذ عليها، فلم نر لحد اليوم أي برنامج بآجال محددة و أولويات للمرحلة القادمة، يمكن أن نتفق عليه، بل هناك ضبابية تامة وغياب تام إلى الحوار مع جميع الأطراف الفاعلة داخل البلاد بإستثناء تلك اللقاءات للمقربين الذين زكوا هذا الإنقلاب .

وبالتالي لحد اليوم نحن لا نرى أي مضي نحو إصلاحات جذرية أو برنامج إقتصادي واضح أو خريطة طريق واضحة المعالم للأيام أو الأشهر القادمة على الأقل  للسنوات المتبقية إلى غاية 2024.

• كيف تترجمون دعوة حركة النهضة لإجراء إنتخابات عامة مسبقة في تونس؟

هناك إنسداد أفق وهناك قطيعة تامة بين السلطات الثلاث، المشيشي الذي وقعت تنحيته اليوم هو من إختيار الرئيس قيس سعيد، والمشيشي هو الذي قام بتعيين المناصب العليا الحكومية التي حكم عليها اليوم بالفشل.

وحينما تدعو حركة النهضة اليوم إلى إنتخابات مبكرة وإلى تغيير النظام الإنتخابي، وهذا الأخير هو الذي أعطانا هذا البرلمان الفسيفسائي المشتت، الذي فيه ناس تأخذ مقاعد في البرلمان ببقية الأصوات بدون أن يكون لها تأثير أو حزام شعبي واسع، ما يعد بالشيء السلبي الواسع. فإعادة النظام الإنتخابي هو الحل الأفضل، من أجل إفراز أحزاب كبرى قادرة على إدارة البلاد وإنتخابات تشكل برلمان عكس السابق الذي كان فيه حزب مكلف بتعطيل أشغال البرلمان.

وهو ما أعطى أسوء صورة عن المشهد السياسي و الإنتخابات السياسية في تونس بعد فشل إنتخابات 2019. إعادة الإنتخابات يمكن أن يأتي بمن هم أفضل سواء كانت السلطة التشريعية ، التنفيذية  و حتى الرئاسية،  فهذا يعد بالجيد في ظل فشل السياسة الموجودة حاليا و أمام هذا الإنقطاع التام بين السلطات الثلاث في ظل غياب قنوات الحوار، أو متابعة و تنسيق منسجم ومتناغم في ظرف جد صعب تمر به تونس جراء تدهور الوضع الصحي.

فالسلطات الثلاث تسعى جميعها جاهدة إلى من يسجل نقاط فشل على الآخر وكل واحد يحاول تحميل الآخر و يعتبره شماعة يعلقه عليها، فلا يمكن أن تستمر الحالة السياسية على ما هي عليه من عزلة و إنفراد و كل واحد يشتغل على حدى.

 فيجب أن تكون هناك حكومة جديدة وبرلمان و رئيس دولة بكتلة نيابية كبيرة و حزام سياسي موسع تعمل في تناغم و توافق،  و إذا إقتضى الأمر يتم  وضع اليد في اليد لتجاوز الأزمات في البلاد و يهبون كرجل واحد من أجل تغليب مصلحة البلاد و المصلحة الصحية العامة للتونسيين على المصالح السياسية و الحسابات الضيقة.

واليوم أصبحنا نرى نخبة سياسية لا ترى أبعد من رجليها وتغلب مصلحتها الشخصية على المصلحة العامة للبلاد والإحتياجات العامة لتونس من أجل إنقاذها من الفقر المتفاقم وتدهور الصحة ومنشآتها ومرافقها التي أصبحت لا تستجيب للأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد.

• كيف يمكن تحقيق مسار سياسي ديمقراطي اليوم، كما تقولون في تونس، أمام فشل الأحزاب السياسية في البلاد؟

في تونس اليوم، الأحزاب السياسية وقعت في تجاذبات بين القديم و الجديد، بإعتبار أن القديم لم تتم محاسبته، وبين جديد لا يزال  يبحث عن تموقع و دعم شعبي.

و الشعب رأى بأن مطالبه لم تتحقق منذ الثورة ولم يتم تحسين قرته المعيشية كما لم يتم هناك أي تغيير للبنية التحتية للمرافق الصحية أو التعليم في البلاد ولم يتم وضع أي إجراءات لإنقاذ البلاد من تدهور الوضع الإقتصادي.

المواطن التونسي اليوم ، فقد الثقة الكاملة في الأحزاب السياسية ويعتبر وجودها فقط للقيام بصراع ديكة بينها من أجل المصالح للظفر بحقائب وزارية أو مناصب أخرى أو للحماية.

فالعديد من الناس دخلوا البرلمان من أجل الحصانة و حماية أنفسهم من فتح ملفات الفساد و العديد من الشخصيات حتى على رأس حكومات سابقة مثل الفخفاخ تعلقت بهم شبهات فساد و أصبح الفساد في أعلى هرم للسلطة.

 نحن قمنا بثورة من أجل محاربة فساد كان متمركزا في الرئيس وعائلته والمقربين منهم، و اليوم وفي ظل أجواء الحريات الموجودة تفاقم الفساد و إنتشر في المجتمع ووصل إلى هرم السلطة و أصبح  موجودا بين النواب.

 وأمام كل هذه الأمور  فقد من خلالها الشعب التونسي الثقة، يلزم أن ينعم المستقبل في البلاد بأناس وطنيين يجتهدون لخدمة البلاد وتغليب المصلحة العامة فوق كل إعتبار ولما لا ربما رجوع بعض الأحزاب السياسية إذا  أعادت النظر في حساباتها و راجعت أنفسها وصححت أخطاءها وبرامجها واستمعت كثيرا إلى مطالب الشعب فلعل هذا الأخير يقوم بتزكيتها مرة أخرى ويعطيها فرصة مرة ثانية مثل الأحزاب الكبرى الموجودة الآن.

• هل تعتقدون أن إجراءات الرئيس قيس سعيد، قد قضت على ما حققته ثورة الياسمين التونسية؟

قد قضت أو بصدد القضاء عليها، وحدها الأيام ستبين لنا ذلك، إذا رأينا رئيس لا يؤمن بالدستور و يرغب في الرجوع إلى تطبيق دستور 1957، بالطبع هذا يخيفنا ، وإذا رأينا رئيسا لا يؤمن بالأحزاب السياسية المتعددة و يقول أنه لا ينتمي إلى الأحزاب السياسية بالطبع هذا مخيف ، و هو لم يشارك في عملية إنتخابية. والعملية الإنتخابية هي عملية دستورية مبنية على الديمقراطية، بصناديق الإقتراع و الذهاب إلى  إنتخابات شفافة و نزيهة و إذا رأينا رئىسا يشكك في جدوى الإنتخابات و نزاهتها و شفافيتها.

و الثورة قامت على هذا التنوع السياسي، على حرية التعبير، على وجود مؤسسات دستورية تضمن له حقوقه ، على إنتخابات حرة و نزيهة و تداول سلمي على السلطة ، على حياة سياسية لا تتسم بالمركزية و إنما بديمقراطية تشاركية تعطي للأجيال حقها، ضمن إنتخابات بلدية نعطي فيها إستقلالية مادية و  قدرة على إدارة الشأن المحلي.

هذه كلها أمور كانت إيجابية جدا  بعد الثورة و نحن فخورين بهذه الديمقراطية التشاركية ، فخورين بأنه يوجد لدينا برلمان يقع إختياره للتداول على السلطة و فخورين بإنتخاب رئىس جمهورية في آخر لحظة لا نعلم فيها مسبقا من سيكون؟ في ظل تنافس حر و نزيه داخل دولة مفتوحة على خيار الشعب.

و كل هذه المكتسبات نخاف عليها لأنها جاءت بعد تضحيات كبيرة و تزكية لدماء الشهداء للحصول على هذه الحياة الديمقراطية كما نخاف عليها من أي مساس يهددها.

صحيح أنه لم نحقق نمو إقتصادي أو ثورة إقتصادية أو تحسين في الوضع الإقتصادي الآن. لكن على الأقل هذه الأجواء وسط حرية التعبير ، حرية التنقل و الديمقراطية نسعى للمحافظة عليها و سنتصدى لكل من يحاول العبث بمكتسبات الديمقراطية بكل ما أوتينا بوسائل سلمية و قانونية.

• سبق و أن دعوتم في إحدى المقابلات إلى عدم التسرع في الحكم على الرئيس قيس سعيد بعد مرور السنة الأولى من فترة حكمه، فهل لا تزال تلك الدعوة قائمة ؟

الآن نحن بعد عامين من إنتخابه، لا أستطيع أن أقول التسرع، بعد هذه الصفعة التي تلقيناها ونحن من إنتخبناه وهو يضرب عرض الحائط كل ما جاءت به إنتخابات المجلس النيابي، على علته  وعلى المشاكل الموجودة فيه وعلى هذا  الدستور الذي مات من أجل أن يولد دستور جديد.

الآن يصبح الحكم سلبيا نوعا ما بإعتبارنا نشكك في نواياه وفي أي مسار سيذهب به بنا، وما هي برامجه في المستقبل، إذا كان بعد عامين أصبحنا خائفين على ديمقراطيتنا و على حرياتنا، والعودة إلى الإستبداد والديكتاتورية، هاتين الأخيرتين أصبحتا شبحين نخاف منهما.

هذا الرئيس الذي وضع السلطات في يده و قال لمدة ثلاثين يوما، فنحن نخاف من أي شخص يمسك بزمام السلطة و يجلس على كرسي الإستبداد و لا يتزحزح منه.

نحن متربصين و متخوفين مما ستكشف عنه الأيام القادمة، الشعب اليوم و الشارع ، القوة الحية في البلاد و المجتمع المدني والصادقين و الديمقراطيين من الأحزاب ومن الأفراد لا يمكن أن تبقى سلبية و لا يمكن أن  تقبل بذلك في أي حال من الأحوال.

ولقد لاحظتم اليوم في تونس بالرغم مما جرى لم يتم تسجيل أي عنف و لم يكن هناك فوضى داخل البلاد لأن جميع الأحزاب دعت إلى الرزانة و التعقل والحوار والحكمة.

وهذا يشهد للشعب التونسي و هذه مؤشرات إيجابية مطمئنة، عندما يريد الشعب التعبير عن رأيه يخرج إلى الشارع و حين يرغب في تجنب الفوضى أو قيام حرب أهلية فهو قادر على ذلك.

و نحن نسير نحو نضج للخيار الشعبي و نضج  لرد فعل شعبي و حزبي ، و هذا شيء جيد مطمئن. وإختار رئىس الجمهورية اليوم  أن تكون في يده جميع السلطات وقال بأنه هو منقذ البلاد، وسيحل أزمات البلاد  السياسية، الصحية والإقتصادية، فليكن له ذلك . ونحن سننتظر مضي مدة 30 يوما كما قال وبعدها لكل حدث حديث.

 

اترك تعليقا