قصة أول امرأة سوداء في البرلمان الألماني

بعد هجوم عنصري قاتل، فكرت أويت تسفايسوس (إريترية) بمغادرة ألمانيا. وبدلا من ذلك، ترشحت للبرلمان تحت شعار “الشجاعة للتغيير” وفازت بعضوية البرلمان الألماني (البوندستاغ).

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية (The New York Times) قصة الفتاة الإريترية التي تعيش في ألمانيا والتي تغيّرت حياتها رأسا على عقب. فبعد أن اعتزمت مغادرة البلاد بسبب إطلاق “متطرف عنصري” النار على أشخاص يبدون أنهم “أجانب”، صُدمت أويت تسفايسوس برد الفعل الذي واجهته في مكان عملها على الهجمات التي أودت بحياة 9 أشخاص للتو.

عندما شاهدت زملاءها في مكتب المحاماة وهم يقومون بإعداد القهوة والدردشة كما لو كان ذلك مجرد يوم آخر في المكتب، شعرت وكأنها تعيش في عالم مختلف عن عالم زملائها البيض.

وقالت تيسفايسوس للكاتب إيان باتسون “شعرت أن ظهري كان على الحائط ولم أستطع الاستمرار”.

الشجاعة للتغيير

وبعد أقل من عامين على تلك الهجمات المميتة في هاناو في فبراير/شباط 2020، تم انتخاب السيدة تيسفايسوس عضوا في البرلمان عن حزب الخضر، حيث شاركت في حملتها الانتخابية بشعار “الشجاعة للتغيير”، وأصبحت أول امرأة سوداء في ألمانيا تفوز بمقعد في البوندستاغ.

ولدت تيسفايسوس (47 عاما)، بإريتريا ووصلت إلى ألمانيا الغربية وهي طفلة في الثمانينيات في وقت كانت فيه ألمانيا لا تزال منقسمة. وخلال أكثر من 3 عقود منذ ذلك الحين، مرت ألمانيا بتحول هائل: التوحيد ووصول الملايين من السكان الجدد، حيث أصبحت البلاد ثاني أكبر وجهة في العالم للمهاجرين بعد الولايات المتحدة.

خلال تلك الفترة من التغيير السريع، سهلت ألمانيا أيضا على المقيمين المولودين في الخارج وأبنائهم المولودين في ألمانيا أن يصبحوا مواطنين، ولكن لا تزال هناك عقبات.

ومنذ انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي، كانت هناك مفاوضات لتشكيل ائتلاف حاكم “يسار وسط” من شأنه أن يضم الديمقراطيين الاجتماعيين وحزب الخضر بقيادة تيسفايسوس.
إزالة الحواجز

وإذا تولى هذا التحالف السلطة، فسيكون أحد أهداف السيدة تسفايسوس هو إزالة بعض الحواجز التي تحول دون التجنس، مثل قيود الجنسية المزدوجة، والتي تمنع ملايين الأشخاص من التصويت وتمنع السياسات الألمانية من عكس التنوع العرقي في البلاد.

بالإضافة إلى مثل هذه التغييرات في السياسة، قالت تيسفايسوس إنها تريد أيضا استخدام ملفها الشخصي الوطني لتُظهر للأشخاص الذين مثلها و”لا يبدون ألمانا”، أن لهم مكانا في مجتمع وسياسة الدولة.

وتأمل أيضا أن يؤدي ظهورها الجديد إلى تشجيع المزيد من الألمان على قبول حقيقة يتجنبها الكثيرون والتي تظل من المحرمات بالنسبة للعديد من السياسيين، ليقولوا إن ألمانيا بلد هجرة.
ربع السكان من أصول مهاجرة

قالت “عندما يكون ربع السكان من أصول مهاجرة، عليك حقا أن تغمض عينيك لتقول إن الأمر ليس كذلك”، مضيفة أن الشعور بأن المجتمع غير مستعد تماما لقبولها وأسرتها أصبح حادا بشكل خاص في الأيام والأسابيع التي أعقبت هجمات هاناو.

وكان العديد من الذين تم إطلاق النار عليهم في هاناو مواطنين ألمان، مثل ابنها البالغ من العمر 10 سنوات، وكان البعض ينظر إليهم أنهم أجانب بسبب لون بشرتهم.

وقالت إن فكرة مواجهة ابنها في النهاية إذا فشلت في الرد على الهجمات أصبحت تدور مرارا وتكرارا في ذهنها أثناء تفكيرها في الترشح للبرلمان، “أردت أن أقول إنني لم أذهب إلى عملي وكسب المال فقط عندما يسألني عما فعلته لإيقاف ذلك. أردت أن أكون قادرة على القول إنني حاولت تحسين مستقبله.”

السياسة.. حل محتمل

وكانت تسفايسوس واحدة من كثيرين من غير البيض الذين فكروا في مغادرة ألمانيا بعد هجمات هاناو، وفكرت هي وزوجها، وهو أيضا محام، في الانتقال إلى بلجيكا. لكنها في النهاية، لم تكن تعتقد أن أي شيء سيتحسن بالمغادرة. وقررت مضاعفة دورها في السياسة كحل محتمل، وبدأت في تحويل نفسها من لاعبة محلية إلى شخصية وطنية.

ودخلت معترك السياسة لأول مرة قبل بضع سنوات عندما أصبح من الواضح أن حزب البديل اليميني المتطرف سيدخل مجلس المدينة في كاسل، المدينة التي عاشت فيها وعملت كمحامية، حيث تعاملت في الغالب مع القضايا المتعلقة بالهجرة.

وأدى القرار الذي اتخذته المستشارة أنجيلا ميركل في عام 2015، للسماح لأكثر من مليون مهاجر بدخول البلاد، إلى صعود حزب البديل من أجل ألمانيا في جميع أنحاء ألمانيا. وأرادت السيدة تسفايسوس مواجهة تلك القوة المتزايدة وجها لوجه.

وقالت: “عندما دخل حزب البديل من أجل ألمانيا إلى مجلس المدينة، أردت أن أكون أول امرأة سوداء تجلس هناك أيضا”.

وبدأت تسفاسيوس العمل في مجلس مدينة كاسل في عام 2016، حيث دعمت التشريعات المناهضة للتمييز، مستنيرة بمعرفتها المباشرة بكيفية تأثير العنصرية على الحياة اليومية في ألمانيا. وذكرت أن أصحاب الشقق كانوا يردون عليها بأنه لا توجد شقة للاستئجار عندما تذكر اسمها، لكنهم يردون على زوجها بالإيجاب.

وحتى قبل التخرج من المدرسة الثانوية، كانت قد قررت ممارسة مهنة تسمح لها بسداد بعض المساعدة التي تلقتها خلال نشأتها من المعلمين والمجموعات الكنسية، وتقدمت بطلب لدراسة القانون بنية التخصص في قضايا اللاجئين.

وبعد تخرجها من الجامعة، اجتازت اختبارين حكوميين شاقين مطلوبين لممارسة القانون. لكن نجاحها المهني لم يمنعها من التساؤل عما إذا كانت هي حقا جزءا من المجتمع الألماني، بسبب أن الناس لا يزالون يتحدثون إليها كثيرا باللغة الإنجليزية، ويفترضون تلقائيا أنها يجب أن تكون أجنبية بسبب لون بشرتها.
هل ستصبح مواطنة ألمانية؟

وقبل 25 عاما، واجهت قرارا بالغ الأهمية في حياتها: هل ستصبح مواطنة ألمانية؟ لم تكن تعتقد أن المواطنة ستغير نظرة الناس إليها. قالت “محيطي لا يراني ألمانية سواء كان لدي جواز سفر ألماني أم لا”.

وقررت في النهاية أن الحصول على الجنسية الألمانية سيكون أفضل طريقة للمساعدة في تغيير فكرة شكل الألمان. “إن صورة “ألمانيا” لم تنشأ اليوم، وربما ليس أمس أيضا.
إلهام الألمان غير البيض

وقالت آنا دوشيم الصحفية والناجية من الإبادة الجماعية في رواندا، وهي واحدة من عدد قليل من النساء السود اللواتي تتم دعوتهن بانتظام لمناقشة القضايا العرقية حول اللغة الألمانية، إن انتخاب تيسفايسوس للبرلمان يمكن أن يساعد في إلهام الألمان غير البيض الآخرين للضغط من أجل تمثيل أفضل في المجال العام.

وتأمل تسفايسوس أن يساعد ظهورها الوطني الجديد الأطفال من عائلات مهاجرة على رؤية ما يمكنهم تحقيقه في المستقبل. لكنها تريد أيضا أن تعترف ألمانيا بالتغيير الجاري بالفعل. وأكدت أن ألمانيا تتغير مع تغير الناس، “هذا أمر طبيعي ولا يمكن إيقافه. أريد أن نختار هذا التغيير بنشاطنا وألا نكتفي بحدوثه. التغيير يأتي بطريقة أو بأخرى”.

المصدر : نيويورك تايمز