الأكاديمي المختص في البحوث و الدراسات الجيوستراتيجية بباريس الدكتور أحمد البرقاوي “الشعب الفرنسي لا يجازف بفرنسا في الوضع الدولي الراهن”.. “ماكرون سيفوز بعهدة ثانية وسيكون أكثر تحررا من العهدة الأولى”

في مناظرة تلفزيونية شاهدها أزيد من 15.5 مليون فرنسي، وكانت المنتظرة أكثر من أي موعد خلال هذه الإنتخابات الفرنسية الإستثنائية، تواجه المرشحان المتأهلان للدور الثاني من الاستحقاقات، كلا من زعيمة التجمع الوطني لليمين المتطرف والرئيس المنتهية ولايته المرشح إيمانويل ماكرون، مساء الأربعاء 20 أفريل على مدار ساعتين ونصف من النقاش حول ثمانية محاور تشغل المواطن الفرنسي تتصدرها القدرة الشرائية.

وحاول الأكاديمي المختص في البحوث والدراسات الجيواستراتجية بباريس، الدكتور أحمد البرقاوي، في حوار خص به “ميديا ناو بلو س” تقييم هذه المناظرة، معتبرا بأنها عمقت الفارق بين المرشحين بين المتمكن والمتحكم في ملفاته والمواضيع المطروحة بكل دقة وبين المخفق والمفتقد للكفاءة التامة سواء في الملفات الداخلية أو الخارجية. وأضاف بأن المرشحان أظهرا تعارضهما البارز في جميع المسائل لاسيما فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية واللائكية والحرب الروسية وحتى القدرة الشرائية.

حاورته: نوال ثابت/ ميديا ناو بلوس

* ما هو تقييمكم للمناظرة التلفزيونية التي جمعت بين الثنائي المتأهل للدور الثاني لرئاسيات 2022 ، إيمانويل ماكرون ومارين لو بان؟

أولا، وبادئ ذي بدء، لنفترض مثلا أن هذه المناظرة لم تقع فلا كانت حظوظ مارين لوبان متساوية مع منافسها إيمانويل ماكرون. وكانت هناك إمكانية لإحداث مارين لو بان المفاجأة. وأعتقد أن لهذه المناظرة التلفزيونية تبعات، نستخلص منها أولا أن مارين لوبان لم تستطع التخلص من عقدة نقاش رئاسيات 2017. مارين لوبان لم تتخلص من صورة رئاسيات 2017، دخلت هذه المناظرة وفي مخيلتها في اللاشعور العاطفي الصورة التي تخشاها، ولم تكن لها الجرأة في طرح الأسئلة الهامة التي كان الفرنسيون ينتظرونها بعد إعلامها وترديد محيطها بأنها إشتغلت وحضرت وستحرج إيمانويل ماكرون وتحاسبه عن حصيلة 5 سنوات من عهدته الرئاسية، لكنها لم تستطع فعل ذلك ولم تجرأ على إحراج منافسها.

منذ الوهلة الأولى وقعت مارين لوبان في إطار، على أنها أمام رئيس الدولة، وأمامها الأستاذ، خاصة بعدما أربكها إيمانويل ماكرون منذ الدقائق الأولى في الشأن الدولي فيما يخص حصولها على قرض من بنك روسي قريب من الرئيس فلاديمير بوتين. وهي المعلومة التي لم تكن تعتقد مارين لوبان أن إيمانويل ماكرون سيضعها على الطاولة ويربكها من خلالها إرتباكا كبيرا، وبالرغم من محاولة مارين لوبان تبرير ذلك برفض البنوك الفرنسية منحها قرضا وكون حزبها فقير إلا أن ذلك لم يشفع لها، خاصة في الوضع الراهن، و منافسها يعي تماما بأن المواطن الفرنسي جد متأثر بما يجري في أوكرانيا جراء الحرب الروسية.

ولم تستطع لوبان أيضا أن تواجه رئيس الدولة المرشح إيمانويل ماكرون في بعض الملفات، ولم تتمكن من الحديث عن الملف الرئيسي الذي كان شعارها الرئيسي خلال حملتها الإنتخابية ألا و هو القدرة الشرائية ولم تستطع الدفاع عن سياستها المستقبلية في حال فوزها في الإنتخابات كقضية الهجرة، والحجاب . كما إفتقرت مارين لوبان للكفاءة التامة في مسألة الإحصائيات، كما انعدمت لديها القدرة في التحكم في الأرقام الإقتصادية، وظهر ماكرون جد متحكم منها في هذه المواضيع، بالنظر إلى الخبرة المتحصل عليها وإختصاصها في المجال ونجح في مجابهتها.

* من هو الرابح و الخاسر الاكبر في هذه الجولة؟ وهل استدركت مارين لوبان أخطاء مناظرة رئاسيات 2017؟

أنا أقول أن هذه المناظرة فاز فيها إيمانويل ماكرون، أولا لقدرته على التحكم في الملفات المالية والإقتصادية وتجربة 5 سنوات مكّنته من الحصول على رؤية ثاقبة عن الملفات الداخلية للسياسة الفرنسية والسياسة الدولية، وهو يؤكد ما قاله من محيطه، كريستوف كاستانير، قبل المناظرة، حيث قال: قد نكون مقبلين على حرب عالمية ثالثة وإيمانويل ماكرون هو الرجل المناسب حاليا في هذه المرحلة لمواجهة المخاطر التي تهدد فرنسا والإتحاد الأوروبي، هذا من جانب، و من جانب آخر، فقد نجح ماكرون في إيقاع مارين لوبان في فخ الخلط بين الأمور بين الإتحاد الأوروبي وجعلها تقع في تناقض كبير، فهو كان يتحدث عن الإتحاد الأوروبي، وهي تتكلم عن أوروبا الأمم، موضحا لها بأن المواطن الأوروبي بإمكانه العمل في أي بلد أوروبي مثله مثل المواطن الفرنسي.

وفي النهاية، فقد فشلت لوبان في شرح برنامجها الرئاسي الذي تخيم عليه الضبابية، وطبعا الشعب الفرنسي لا يجازف بفرنسا وسط التهديد الأمني في الوضع الراهن ولن يستطيع تسليم مفاتيح قيادة دولة عظيمة لإمرأة تنتمي إلى حزب اليمين المتطرف وترغب في الخروج من الإتحاد الأوروبي خاصة و هي تقول بالحرف الواحد بأنها ستراجع علاقاتها مع ألمانيا وستقطعها في حال فوزها، وهذا ما يعتبر خطا أحمر بالنسبة لمؤسسات الدولة الفرنسية العريقة التي بناها فرانسوا ميتيران والتي تعودت على هذه العلاقة والشراكة التقليدية مع ألمانيا، و هو ما حاول إيمانويل ماكرون إظهاره على طاولة النقاش و مبرزا للمشاهد الفرنسي، بأن الزوج الفرانكو- ألماني هو المحرك الذي يقود الإتحاد الأوروبي.

* هل يمكننا القول ان إيمانويل ماكرون أحرز تقدما على منافسته وضمن بطاقة الفوز يوم الأحد 24 أفريل؟

أعتقد بأن إيمانويل ماكرون قد نجح في إظهار للمواطن الفرنسي بأنه هو الأكفأ والمقنع، حتى في قضية الحجاب للمرأة المسلمة، كان رده أكثر قناعة قائلا لها بكل صراحة “ترغبين في منع الحجاب في المساحات العمومية .. إذن أنت ترغبين في جر فرنسا إلى حرب أهلية”، وطبعا له الحق في ذلك، فاضحا الأداء الضعيف لمنافسته مارين لوبان.

وفي إعتقادي، فإن الطريق أصبح اليوم أكثر وضوحا أمام إيمانويل ماكرون للفوز بعهدة ثانية ببرامج جديدة، كما قال، وسيكون أكثر تحررا من العهدة الأولى التي كانت بدون تجربة وسط التخوفات من رد فعل الشارع الفرنسي لكن الآن ستكون له أكثر جرأة وسيقدم على إصلاحات جذرية ونحن ننتظره في كيفية تعاطيه مع الملفات الدولية بعد 24 أفريل.

 

 

 

اترك تعليقا